mardi 31 mai 2011

لماذا ينفر المواطن التونسي من العمل الحزبي؟


جميعنا يعلم أن الثورة التونسية لم يكن وراءها أحزاب سياسية ولا قيادات وطنية معروفة وإنما حدثت بهبّة شعبية نتيجة القمع والظلم الذي مارسته العصابة الحاكمة وعلى رأسها بن علي وغياب تنمية حقيقية بأغلب الجهات بالإضافة إلى ارتفاع البطالة والفقر في الأوساط الاجتماعية . ولهذا أطلق عليها الأحرار ثورة الكرامة بالرغم من محاولات القوى التي فاجأتها الثورة وحاولت الالتفاف عليها أن تسميها ثورة الياسمين.
لقد كان الشباب عماد هذه الثورة ولم يكن يحركه انتماء سياسي وهو يصارع قوى الظلم والطغيان بتالة وسيدي بوزيد والرقاب والقصرين ولم تكن شعاراته حزبية وهو يتوجه بصدر عار إلى وزارة الداخلية للإطاحة بالطاغية ثم وفي مرّة أخرى لتصحيح المسار بالقصبة 1 و2 .
لقد فاجأت الثورة كما متفق عليه جميع الأطراف السياسية والشخصيات الوطنية وبعض القوى الدولية نتيجة عفويتها وصدق مطالبها وكان ذلك دافعا قويّا للقوى السياسية لمراجعة حساباتها وإعادة ترتيب بيتها . وكانت تلك فرصة جيّدة لكل عاشق للحرية والعمل السياسي سواء كان مهجّرا أو سجينا أو مقموعا أو صامتا أن يسرع للالتقاء مع من يشاطره الفكرة إلى تأسيس حزب وطلب التأشيرة القانونية مما جعل عدد الأحزاب يقفز إلى ما فوق السبعين.
إلا أن المتتبع للشأن الوطني يلاحظ نفورا كبيرا لدى المواطنين من هذه الأحزاب وذلك نتيجة تراكم الغبن السياسي لدى المواطن التونسي الذي لم يعرف العمل السياسي خلال أكثر من خمسين سنة إلا من خلال انتهازية المنتمين إلى التجمع الدستوري الديمقراطي في عهد الرئيس المخلوع ومن قبله الحزب الدستوري حيث كانت كلمة « حزبي » لا تطلق إلا على هؤلاء الذين يستغلون مواقعهم تلك لخدمة مصالحهم الشخصية لا غير.
ومازال هذا الشعور كامنا يفعل فعله داخل ذهن التونسي وقد زادت الحملات المقصودة من بعض الأطراف عبر بعض وسائل الإعلام من خلال مقالات صحفية وبرامج تلفزية في تأجيج هذا الشعور لدى الشباب بحجة أن الثورة لم تصنعها الأحزاب السياسية تارة و بحجة أن هذه الأحزاب تعمل على سرقة الثورة لتجني ثمارها لوحدها تارة أخرى مما خلق شرخا عميقا بين الأحزاب من جهة و المواطن من جهة أخرى.
إن قوى الردّة والحالمين بالالتفاف على ثورة الشباب يعلمون جيّدا أن وقوف الشباب مع الأحزاب والتقاء هذه الأحزاب مع مطالب وطموحات الشعب سيكون صمام أمان لنجاح هذه الثورة فينتهي حلمهم في استرداد مواقعهم داخل السلطة ولذلك يعملون ليلا نهارا وبكل السبل للمحافظة على القطيعة بين هذين الطرفين فيعملون على زرع صراعات متنوعة بين الأحزاب وتوجيهها بعيدا عن مشاغل المواطنين ويعملون في جهة أخرى على تلميع صورة بعض الأحزاب القريبة منهم ويشوهون صور أخرى. ولأنهم يعلمون أن تعدد الأحزاب وإن كثر علامة صحيّة للمجتمع التونسي فإنهم يسارعون إلى التهكّم من هذا التعدد لإرباك العاملين في الساحة السياسية والمواطنين على حد سواء.
ولأنهم يعلمون أن انتخابا حرا ديمقراطيا للمجلس التأسيسي سيكون بداية نهاية عهدهم فإنهم يعملون جاهدين على تعطيل هذا المسار بخلق أجواء مشحونة بالتعصب و عدم الثقة لتعميق النفور لدى المواطن من المشاركة في الحياة السياسية.
إن الواجب الوطني يدعونا إلى كشف مثل هذه الألاعيب والمخططات ليفهم المواطن أنه صمام الأمان لنجاح هذه الثورة وإن ذلك لا يتحقق إلا عبر مشاركته الفعلية في العملية السياسية بالانخراط والانتخاب ومراقبة الأحزاب .وعلى الأحزاب السياسية جميعا أن تخلق توافقا وتتحد على الأقل من أجل هذا الهدف لتصبح للبلاد سلطة شرعية قادرة على الأخذ بزمام الأمور.
إنني أدعو كل المواطنين بجميع أطيافهم لعدم الانسياق وراء الدعوات إلى اعتزال العمل السياسي على خلفية أن الوقوف على الربوة أسلم وأن صراع الأحزاب « لعب عيال » كما يقول الأشقاء المصريون.
أنني أوجه دعوتي للمواطنين أن يخصصوا جزء من اهتماماتهم ووقتهم للتعرف على مختلف الأحزاب ليكون الاختيار للأفضل و لا ينزعجوا من كثرة عددهم فإن أغلبهم ستكون تجارب وقتية وستؤول إلى زوال عملا بالمثل الشعبي التونسي  » ما يبقى في الواد كان حجرو »
كما أدعو مختلف الأحزاب أن يولّوا وجوههم قبل المواطنين وأينما كنّا فسنولي وجوهنا مثلهم فالمواطن هو المنقذ وصاحب الشأن في هذا الوطن وهو الذي يستحق أن نتحدث حديثه ونفكّر في مشاغله ونحس بهمومه ونسمع لاقتراحاته فنتعلم منه ونؤطره

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire